السيناريو الأسوأ بعد الحرب

منذ الأسبوع الأول للعدوان والحرب على غزة، بدأت حكومة الحرب ومعها الولايات الأمريكية تستخدم كلمة اليوم التالي للحرب، في إشارة لكيف سيكون وضع قطاع غزة بعد أن تنتهي الحرب، واللافت في الأمر أن كل ما يقال حول اليوم التالي للحرب يدور حول إسقاط حكم حماس وإنهاء سيطرتها العسكرية على القطاع، دون أن تتضمن هذه المداولات والتصريحات أي مستقبل ينتظر غزة بعد هذا الخراب الكبير، وأعداد الشهداء والجرحى، والأرامل، واليتامى، وذوي الحاجات الخاصة التي بترت أعضائهم بفعل القصف، وكمية الخراب والدمار من أقصى شمال القطاع وحتى رفح، وما أحدثه هستيريا القصف والإبادة الجماعية التي تعرض لها قطاع غزة.

قبل أيام التفت وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للأمر، وفي تصريح منه ادعى أنه طلب من الدول العربية إعادة إعمار غزة بعد أن تنتهي الحرب، فجاء رد العرب أنهم لن ينقذوا أي عملية إعمار دون أن تترافق مع مشروع سياسي حقيقي يفضي إلى حل الدولتين، فلا يعقل أن بعد كل عملية إعمار تقوم إسرائيل بشن حرب لتهدم كل شيء، وهذا موقف هام في إطار الموقف العربي الرامي لتحقيق قيام دولة فلسطينية مستقلة، كحق شرعي عادل، ومن أجل ضمان واستقرار المنطقة.

الرغبة الأمريكية بطرح مشروع سياسي كامل يحمل ضمانات مباشرة غير جادة فعليًا حتى الآن، وإسرائيل من جانبها لا توافق على حل سياسي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وليس الأمر متعلقًا فقط في حكومة نتنياهو والأحزاب اليمينية المتطرفة، بل إن غالبية المجتمع داخل الكيان ترفض أن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، كما ترفض تفكيك وإخلاء المستوطنات أو بعضها، وفي المقابل فإن حدود الرابع من حزيران عام 1967 هو الحد الأدنى الممكن المقبول فلسطينيًا وعربيًا، وليس مقبولًا ما هو أقل من ذلك.

بالنظر إلى غزة من خلال الصور والفيديوهات التي تخرج من هناك، فإن المشهد كارثة حقيقية وإبادة لكل أشكال الحياة، سواء تعلق الأمر بالخسائر البشرية، أو الخسائر الحياتية من بنى تحتية وخطوط مياه وكهرباء وطرق وبيوت سكنية ومستشفيات ومدارس وجامعات ودور عبادة، إلى آخر ما فقدته خلال العدوان والحرب عليها.

إن الحرب المستمرة على غزة، في كل يوم تخطف أرواح المزيد من الضحايا، وتجلب المزيد من الخراب والدمار، وإن الموقف الأمريكي والدولي حتى اليوم لا يشكل ضغطًا حقيقيًا يدفع الاحتلال لوقف عدوانه وحربه، فمتى ستتوقف هذه الحرب المستعرة، ومتى يتوقف هذا العدوان المتواصل لليوم الرابع بعد المئة.

إن أسوأ سيناريو يمكن أن ينتظر غزة بعد انتهاء الحرب هو أن تترك للفراغ، دون خطط إعمار، ومن دون عملية بناء شاملة لكل المرافق الحياتية، وكما هو معروف غزة اليوم تفتقر لكل شيء، فما أحدثته الحرب من دمار يفوق كل وصف وكل شرح، وهي تحتاج لمشروع دولي أممي واسع وشامل لإعادة الحياة لمن بقوا على قيد الحياة، وحتى لا تترك غزة للفراغ.