مبالغ مالية لا بأس بها، يتقاضاها التأمين الصحي الموحّد أو الحكومي «إن لم أكن مخطئا في التسمية»، ويجري اقتطاعها من الموظف الحكومي بلا رغبة أو خيار له، ولا غضاضة في ذلك ما دامت الدولة تقدم تأمينا صحيا لهؤلاء الناس، لكن اللافت في هذا الموضوع هو شمول المؤمن عليه صحيا بالتداوي لدى الجهات الطبية العامة والخاصة، فالشخص المؤمن تأمينا «حكوميا» بالدرجة الأولى مثلا، وحين يراجع طبيبا خاصا أو مستشفى خاصا، يتفاجأ بأن هذه الجهة لا تقدم له الخدمة الطبية، بقرار منهم، وليس لأن القانون يمنع هذا التعامل، وحين تستفسر عن الأسباب تجد ما يبعث على الغضب.. الدولة؛ تقدم منظومة كبيرة من الخدمات الصحية للناس، وحق العلاج مكفول للناس، وأصبح المسن مؤمنا صحيا في كل مستشفيات القطاع العام، وكذلك الأطفال ما دون عمر السادسة، وهذه فئات كبيرة وعريضة من المجتمع، تؤمنهم الدولة صحيا، وهذه حالة إيجابية يجب ذكرها، ناهيكم عن «الإعفاءات» الطبية التي يقدمها الديوان الملكي العامر، على هيئة مكارم ومنح للناس الذين لا يشملهم أي قانون تأمين صحي ولا يملكون مثل هذا الحق، وكذلك تفعل رئاسة الوزراء بالتنسيق مع وزارة الصحة، وتمنح إعفاءات طبية بشروط وحالات خاصة، وكلها تكلف خزينة الدولة أرقاما فلكية، لكن ماذا عن المال الذي يذهب لصندوق التأمين الموحّد، ولماذا لا يتم تقديم الخدمة من قبل القطاع الخاص للمؤمّن حكوميا؟.. السبب المانع ليس قانونيا؛ بمعنى أن مستشفيات القطاع الخاص تقدم الخدمة للمؤمن عليه حكوميا، وتتقاضى نسبة ما «كما فهمت» من أجرة الخدمة والباقي تستوفيه من المكتب الموحّد، أما عن أطباء القطاع الخاص فالقرار ذاتي، وإلى حد كبير «معهم حق»، فالأجور التي يتقاضونها من التأمين الموحد لقاء خدماتهم ضئيلة جدا، ولا تساوي شيئا مما يقدمون.. أخبرني طبيب عن سلامة؛ الذي يبحث عن السلامة والعافية، وأذنه مغلقة بسبب التصمّغ، ولم يعد يسمع الأصوات، وكالمعتاد في كل عامين تقريبا، يزور سلامة طبيب الأنف والأذن والحنجرة، ويجري الطبيب «صيانة» لأذنيه «الاثنتين»، ويدفع سلامة بملغا يتراوح بين 15 الى 25 دينارا عن هذه الخدمة للطبيب المداوي، لكن سلامة الذي يبحث عن السلامات كلها، يحمل تأمينا صحيا حكوميا من الدرجة الأولى، وذهب للطبيب كالعادة، حيث استقل «تاكسي»، ودفع له أجرة عن مشواره «بلغت أكثر من 3 دنانير»، وحين التقى بالطبيب، اعتذر له الطبيب قائلا، نحن ما زلنا على قرارنا وهو أن لا نستقبل المؤمن عليهم في وزارة الصحة ولا نقدم لهم الخدمة فالأمر لم يتغير، ودخل سلامة في حوار مع الطبيب الذي انطوى رده على مظلمة يعاني منها الأطباء كلهم، وهي تدني الأجور التي يدفعها تأمين وزارة الصحة أو التأمين الحكومي، لقاء خدماتهم للمرضى، حيث يحدد القانون مبلغ «دينارين ونصف» فقط، كأجرة يستوفيها الطبيب من التأمين الحكومي الموحّد، لقاء خدمته بصيانة أذن المريض سلامة، وأمام شكوى الطبيب وضآلة الرقم ضحك سلامة «مندهشا» من مقدار المبلغ، فقال للطبيب بعفوية «طيب جيبلك تأكسي اشتغل عليه بدل هالأجهزة، والله تبع التاكسي أخذ مني أكثر من 3 ليرات حتى يوصلني لعيادتك، التاكسي أحسنلك يا عمي..» وأضاف الطبيب، سعر الخدمة التي حددتها نقابة الأطباء لهذه العملية العلاجية نحو 13 دينارا، بينما شركات التأمين الصحي في القطاع الخاص تدفع عنها أكثر من 25 دينارا، بينما التأمين الحكومي لا يدفع أكثر من دينارين وشوية، ولا يمكن أن تصل بحال إلى قيمة أجرة التاكسي. لماذا ما زال الأمر عالقا هنا ولم يتم «علاج» هذا الخلل بالتوافق؟.. الله يوفق الدولة والناس.