أظنه، جرّ خطواته متثاقلا وهو يغادرنا، لكثرة ما حملته أيامه وأشهره تحديدا الأخيرة منها، من أحداث حزينة، وتفاصيل دامية، ما أثقل خطاه ولملمة ساعاته الأخيرة، يغادرنا عام 2023 وقد أنستنا أشهره الأخيرة الكثير من الفرح، تاركا مشاهد شهداء من أطفال ونساء ومدنيين أبرياء، وضحايا بإصابات أقل ما توصف به أنها خطيرة، ودمار ومجازر وإبادة، فغابت الألوان من تفاصيل مشاهده وبدا اللون الأحمر هو السائد.
بالطبع، لم يبدأ عام 2023 كما انتهى، فقد تحققت به إنجازات عظيمة تحديدا في الأردن على كافة الأصعدة، سياسيا واقتصاديا واداريا وغيرها من المجالات، ولا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا إنه العام الأكثر إنجازا وتقدما في هذه المجالات وغيرها، وقفز الأردن قفزات واسعة نحو الكثير من التقدّم ليبدأ عامه 2024 بحجم من الإنجازات التي سيبنى عليها الكثير من التقدّم والتطوّر؛ ما يجعله محليا من الأعوام الهامة في مجالات متعددة تحديدا السياسية منها والاقتصادية والإدارية، حيث قطع الأردن شوطا متقدّما في تنمية وإصلاح هذه المجالات كافة وانعكست بشكل حقيقي على المشهد المحلي بكافة تفاصيله، وعلى حياة المواطنين.
وكباقي دول العالم، لا بل أكثر دول العالم تأثرا فيما يشهده الأهل في غزة من حرب منذ السابع من تشرين الأول الماضي، فالأردن توأم فلسطين، وكل ما يتعرض له الفلسطينيون يُصيب الأردنيين ويجعل من بوصلة حياتهم تتجه بالكامل نحو فلسطين، حبّا وسندا ودعما، ويذهب الأردنيون لتجميد كافة أعمالهم وتفاصيل حياتهم وحتى انجازاتهم تضامنا مع أهلنا في فلسطين بكافة أراضيها، متأثرين بمصابهم، مؤجلين فرحهم وانجازهم، ساعين لتقديم كل ما من شأنه دعم الأهل في فلسطين.
وللأشهر الثلاثة في عام مضى، شكل مختلف في الأردن، قيادة وحكومة وشعبا، فلم يبتعد الأردن عن فلسطين للحظة، ومنذ بدء الحرب الشرسة والبربرية على الأهل في غزة، والأردن يقف بكتفهم عملا لا قولا، مقدّما كل ما يُمكن أن يعزز من صمودهم وثباتهم، متلمسا احتياجاتهم ليقدّم كل ما من شأنه أن يخفف آلامهم، ويقوّي عزيمتهم ويداوي جراحهم ويثبتهم في أرضهم، فمنذ هذا التاريخ والأردنيون يعيشون الحال الغزي بتفاصيله، لمساندتهم، وعدم تركهم وحدهم في ميدان الصمود أمام أكثر الأسلحة دمارا في العالم، وأقواها، وأشرس حرب شهدتها البشرية.
ليبقى عام 3023 تاركا خلفه، باقي فرح لم يكتمل، وباقي انجاز لم يتحقق، وباقي ابتسامات شاخت قبل أن تخرج، وباقي كلمات خجلت أن تحكي قصص فرح وسعادة، يبقى هذا العام رغم مغادرته ركب حياتنا دون عودة، بملامح مؤلمة نأمل أن تغادرنا دون رجعة، كما هي أرقام هذا العام، نأمل أن تستبدل حروف الكثير من كلماته لعل أهمها السلاح بالميم، ليغدو السلام سمة العام الجديد، وأن يستبدل الألم بالأمل، والكره بالحب، ليت كلّ ما مرّ بعام يغادرنا معه دون رجعة، من وجع وحزن ودموع لم تجف، ليتها تغادرنا مع أيامه وأشهره سعيا لاستكمال ما اقتسمته أحزان العام الماضي ولم تكمله أحزاننا على أهلنا في غزة.
نستقبل عاما جديدا، بقلوب تبتهل لله عز وجل أن يكون عاما سعيدا، نكمل به بقايا أحلامنا وآمالنا، ونرى السلام يعيد لقلوبنا وملامحنا الضحكات والفرح، عام ما يزال مجهولا بتفاصيله، لا نملك سوى أن ندعو الله أن يكون عاما سعيدا على أهلنا في غزة وفلسطين، وأن يكون مختلفا بالكثير من الإيجابية والراحة والسعادة والإنجازات، أن يكون عاما تليق به أحلامنا المخبّأة، وآمالنا المؤجلة، عاما تمحي أفراحه وجع عام مضى.