الأردن يعيش ويدرك وعلى علم بأدق تفاصيل ملف اللاجئين، فهو البلد الوحيد في العالم الذي يمنحهم ملاذا آمنا، ويتحمّل أعباء استضافتهم، ولم يدر ظهره يوما لأي حالات لجوء، بل على العكس كانت الأبواب لهم مفتوحة بكافة تفاصيل الحياة ومقوماتها من تعليم وصحة وعمل ناهيك عن تأثير ذلك على الماء والكهرباء، حتى أصبح هذا الوطن صغير الجغرافيا كبير القلب والإنسانية والعطاء بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني الذي طالما وضع لهذا الملف أولوية على منابر عالمية وأمام صناع القرار دوليا وعربيا، منبها لعدم إدارة الظهر له ومنحه الاهتمام الكبير له وللدول المستضيفة للاجئين لعدم الوصول لطرق مسدودة في علاجه، ولعدم زيادة نسب اللجوء. بالأمس، وفي كلمة تاريخية ألقاها جلالة الملك عبدالله الثاني، في المنتدى العالمي للاجئين، الذي يعقده الأردن بالشراكة مع كولومبيا وفرنسا واليابان وأوغندا، وتستضيفه حكومة سويسرا في جنيف بالشراكة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تحدث جلالته بتفاصيل هامة ودقيقة عن واقع اللجوء والنزوح بمقاربة ذكية وعبقرية من جلالته في الحرب على غزة، وما تشهده من نزوح جديد تشهده المنطقة، حيث اضطر أكثر من مليون و900 ألف فلسطيني من ترك منازلهم، أو الفرار منها، ما يجعل من أعداد النازحين تزداد، وهو واقع خطير وإغماض عين الاهتمام عنه خطأ فادح سيعيش العالم نتائجه السلبية خلال المرحلة القادمة، القريبة القادمة!!! جلالة الملك خلال هذه الكلمة وضع العالم أمام حقائق وواقع اللجوء في الأردن، وتحدث عن اللجوء بأنه «قضية يعرفها الأردن جيدا» نعم يعرفها جيدا، فهو البلد الذي غدا اليوم واحة أمان لملايين اللاجئين، الفارين من ويلات الحروب، واضعا جلالته العالم أمام تفاصيل بأن الأردن يستضيف «ما يقارب 4 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، بما في ذلك حوالي 1.4 مليون سوري. يمثل اللاجئون بالمجمل أكثر من ثلث سكاننا البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة»، ويقابل ذلك ترك الأردن وحده يواجه تبعات هذه الحالات من اللجوء دون تقديم أي مساعدة وعون لتحمّله أعباء استضافتهم، فيما يواجه أعباء كبرى الدول لا تقوى على تحمّلها. وفي إشارة هاشمية إنسانية مميزة، أكد جلالة الملك على أن (منح الملاذ الآمن للاجئين جزء لا يتجزأ من المبادئ الوطنية الأردنية، خصوصا في هذه المنطقة المضطربة، فلا يمكننا أن ندير ظهورنا لهم لأن ذلك يتنافى مع صميم هويتنا. لكن الأردنيين يشعرون بشكل متزايد بأن العالم يدير ظهره لهم، ويتجاهل جهودهم كمستضيفين للاجئين)، نعم هذا هو الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، استقبال اللاجئين ومنحهم الملاذ الآمن هذه هي الهوية الأردنية ومبادؤه التي لا تتجزأ وثوابته الحقيقية العملية، إضافة لما هو هام جدا أيضا أن الأردن لا يدير ظهره للاجئين على الرغم من أنه للأسف العالم يدير ظهره لهم ويتجاهل جهود من يستضيفهم. اللجوء واللاجئون، قضية يعرفها الأردن جيدا، ويعرف ما يجب الأخذ به في مضامينها على محمل الاهتمام والمتابعة، سيما في ظل ما يشهد العالم كما أشار جلالة الملك من حالة نزوح جديدة، لتحضر غزة من جلالته على المنبر بشكل حقيقي، برسالة واضحة وقوية من جلالته (يتعين على المجتمع الدولي أن يدرك أكثر من أي وقت مضى أن الحلول المؤقتة لم تعد ممكنة، وأن الأزمات العالمية تستوجب التشارك في تحمل المسؤولية على المدى الطويل)، فالحلول المؤجلة، والمؤقتة اليوم بمثابة ضمادات جراح تؤجل الشفاء وتساعد على تخفيف الوجع لكنها لا تعالج، وما يحدث اليوم في غزة يتطلب أكثر من ذلك، عملية وواقعية وجهود دولية يجب أن تنعكس على أرض الواقع، ذلك أن ترك قضية اللجوء خلف الظهر واقع خطير.