يصطف آلاف الاشخاص بغزة في طوابير طويلة أمام إحدى محطات تعبئة وتوزيع الغاز المنزلي، كل منهم يحمل بيده أو يضع بجانبه أنبوبة غاز فارغة أو أكثر أملا في تعبئتها بعد انقطاعه عن المنازل في كافة مناطق قطاع غزة منذ خمسين يوما متواصلة.
غزة حرمت من الغاز وكافة أنواع الوقود والكهرباء منذ بداية الحرب الإسرائيلية الشرسة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر الماضي، الأمر الذي زاد من معاناة المواطنين فوق قساوة ظروفهم نتيجة الحرب والقصف ومنعهم من الحصول على لقمة عيش كريمة كباقي مواطني العالم.
وتكرر المشهد أمام محطات تعبئة الوقود، حيث مواطنون بمركباتهم وجالوناتهم اصطفوا أيضا طمعا في التزود بالوقود لتسيير أمور حياتهم من مواصلات أو حتى تشغيل مولدات كهربائية صغيرة من أجل التزود بالكهرباء لشحن بطارياتهم المنزلية وهواتفهم نتيجة انقطاع للكهرباء.
وقال المواطن خالد عاشور، "أقف منذ أكثر من سبع ساعات متواصلة في طابور لتعبئة أنبوبة الغاز وكنت أحمل رقم 1856 في طابور الانتظار، ولكن لم يحالفني الحظ أولا لعدم توفر كمية كافية لتعبئة أنابيب كل المواطنين الذين ينتظرون دورهم، وثانيا لتأخر الوقت وإقفال المحطة أبوابها.
وذكر عاشور أنه سينتظر ليوم غد أملا في تعبئة أنبوبة الغاز، ولكنه يخشى في اليوم التالي أن تكون الكمية التي وصلت المحطة قد نفدت أو أن يتم إعادة ترتيب الطابور بأرقام جديدة وألا يتمكن من تعبئتها، معربا عن خشيته من انهيار التهدئة قبل أن يتمكن من توفير الغاز لبيته الذي يئن فيه أطفاله من الجوع بسبب شح الغاز والمواد الغذائية والتموينية.
من جانبه قال المواطن يوسف أبو صقر، إنه انتظر في طابور طويل يقدر بالآلاف من أجل تعبئة أنبوبة الغاز وفي نهاية المطاف تفاجأ بأن الكمية التي يتم تعبئتها هي ستة كيلوغرامات أي نصف أنبوبة، مشيرا إلى أن هذه كمية قليلة ولا تكفي إلا لأيام قليلة.
ولفت إلى أن هناك من يستغل الأزمة المالية وأوضاع المواطنين السيئة ويقوم ببيع أنبوبة الغاز في السوق السوداء بمبالغ باهظة تصل 500-600 شيقل، في حين ثمن تعبئتها في الوقت الطبيعي 70 شيقلا فقط.
وذكر أبو صقر أنه سيأتي في الغد للوقوف في طابور طويل مرة أخرى من أجل تعبئة أنبوبة أخرى أو نصفها خشية عودة الحرب الإسرائيلية مرة أخرى وزيادة المعاناة أكثر من ذي قبل، خاصة أنه في بداية الحرب كان يتوفر لدى المواطنين بعض من مقومات الحياة الأساسية والآن كلها نفدت ولا يتوفر الحد الأدنى.
ولفت إلى أن هناك اشخاص يقفون في طابور الانتظار منذ ساعات الفجر أو قبل ذلك لحجز دور لهم من شدة المعاناة التي مروا بها وعاشوها في أيام الحرب السابقة التي أجبرتهم عنوة على استخدام النار والحطب في الطهي والخبز وتسخين المياه وغيرها من الأمور الحياتية اليومية.
أما المواطن وسام نوفل، فقال إنه اصطف وأمامه مئات المركبات والمواطنين الذين يحملون جالونات لتعبئتها بالبنزين والسولار، إلا أن كمية التعبئة قليلة نظرا لمحدودية الكمية المتوفرة في بعض المحطات التي وصلها الوقود وزيادة الطلب وتعطش المواطنين للحصول عليه وندرته في المحطات.
وذكر أن كميات السولار المتوفرة في المحطة قليلة جدا لعدم إدخال كميات كافية من قبل الجانب الإسرائيلي للقطاع، ومن ثم لنقل كميات منه إلى المخابز والمستشفيات، مشيرا إلى أن جالون السولار سعة عشرين لتر يباع في السوق السوداء بأكثر من 400 شيقل في حال أن سعره الطبيعي لا يتجاوز الـ120 شيقلا.
أما محمد سلامة، ويعمل في محطة لتعبئة الغاز فقال: إن كميات الغاز التي دخلت للقطاع في اليومين الماضيين لا تكفي لسد رمق المواطنين المتعطشين لتوفير الغاز في منازلهم بعد انقطاعه لخمسين يوما متتالية، وأن طوابير الانتظار أمام محطات التعبئة يؤكد حجم المعاناة التي يعيشها المواطنون في القطاع، وكل ذلك بسبب التعنت الإسرائيلي وحرمان قطاع غزة من أدنى مقومات الحياة الآدمية اليومية.
وأشار إلى أن قطاع غزة يحتاج لضح مئات آلاف مكعبة من غاز الطهي من أجل اكتفاء اهل غزة من سد احتياجاتهم من الغاز الذي يعتمدون عليه بشكل كبير جدا في حياتهم اليومية، علاوة على احتياج المستشفيات والمخابز وغيرها لهذا الغاز، مقدرا أن الكمية التي دخلت لا تكفي لتعبئة الأنابيب المكدسة داخل المحطات وحدها من بداية الحرب فكيف ستكفي لأنابيب المواطنين المكدسة في بيوتهم ولدى الموزعين.
وأضاف سلامة أن غالبية المواطنين في قطاع غزة أصبحوا يعتمدون على الخبز والطهي على أفران الطين والحطب بعد نفاذ الغاز المنزلي لديهم، وكل ذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وقال أصبح في كل شارع وزقاق مجموعة من المواطنين يشعلون النار والحطب من أجل الطهي والخبز.
بدوره محمد صيام الذي يعمل موزعا للغاز المنزلي فيقول، إن مئات الأنابيب الفارغة أصبحت متكدسة لدية في المخزن وإنه يخشى الخروج للشارع في كثير من الأحيان تجنبا لكثرة السؤال من قبل المواطنين عن موعد تعبئة أنابيبهم، منوها إلى أنه أصبح يشعر بأنه كاذب في كثير من الأحيان لعدم استطاعته خدمة المواطنين وتوفير ما يحتاجونه من الغاز.
من جانبه قال توفيق عايش الذي يعمل في محطة وقود، إن كميات الوقود التي وصلت لبعض المحطات لا تكفي لتشغيل بضع مئات من السيارات التي أصبحت بلا وقود لشحه في المحطات ولعدم إدخاله من قبل الجانب الإسرائيلي وإغلاق المعابر بسبب الحرب والعدوان الهمجي المستمر ضد شعبنا.
ولفت عايش إلى أن بعض السائقين أصبحوا يستخدمون بدائل أخرى مثل زيت الطهي لتشغيل السيارات التي تعمل على السولار، والتنر والتربنتينا للسيارات التي تعمل بالبنزين وهذا كله يضر بالصحة ويسبب رائحة سيئة، خاصة أنه يخرج دخانا كثيفا بعد احتراقه في محرك السيارة، إضافة لتقليل العمر الافتراضي لمولد السيارة الذي يتأثر سلبا ويقل أداؤه على المدى الطويل.
وأضاف أن الأزمة الحالية أجبرت المواطنين على استخدام العربات التي تجرها الحيوانات وسيلة جديدة قديمة للمواصلات، فيما يفضل بعض المواطنين السير على الأقدام بدلا من التنقل على العربات.
وقد أعلن مدير عمليات الأونروا في غزة، توماس وايت، في تصريح له، عن توقف 76 بئرا ومحطتين رئيسيتين لمياه الشرب، بالإضافة إلى 15 محطة لضخ مياه الصرف الصحي عن العمل بسبب نفاد الوقود في القطاع.
وأضاف أن عدم وجود وقود يعني نقص في مياه الشرب، وزيادة بنسبة 40% في حالات الإسهال لدى الأشخاص الذين لجأوا إلى مدارس الأونروا هربا من القصف الإسرائيلي.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت أنها ستقوم خلال أيام الهدنة المستمرة منذ الجمعة ولمدة أربعة أيام بإدخال 130 ألف لتر من السولار وستكون للمؤسسات الدولية خاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، إضافة لأربع شاحنات من غاز الطهي.
يذكر أنه في الظروف الطبيعية والأيام العادية كان متوسط حاجة قطاع غزة من السلع يبلغ 500 شاحنة يوميا، إلى جانب الحاجة اليومية لـ 400 ألف لتر من البنزين والسولار وقرابة 400-450 طنا من غاز الطهي.
يشار إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي فرضت طوقا مشددا على قطاع غزة منذ بداية الحرب، وحرمت المواطنين في القطاع من الحصول على أدنى متطلبات الحياة اليومية، حيث منعت دخول الدواء والكهرباء والماء والوقود والغاز الأمر الذي فاقم معاناة المواطنين الذين يمرون بها من فقد وتشريد ونزوح وشح في المواد الأساسية والغذائية وحليب الأطفال والمستلزمات الطبية في محاولة منها لتنفيذ سياسة العقاب الجماعي التي حرمتها كل الشرائع والقوانين الدولية والعالمية.
وتشن أن قوات الاحتلال الإسرائيلي حربا شرسة ضد قطاع غزة منذ خمسين يوما راح ضحيتها قرابة الـ 15 ألف شهيد وآلاف الجرحى والمفقودين، علاوة على تدمير البنية التحتية وتدمير وهدم مئات آلاف المنازل والبنايات وتخريب الطرقات وتجريفها واستهداف المستشفيات وترحيل المصابين والجرحى وتهجير المواطنين من منازلهم عنوة وما زالت مستمرة.