كتب محمد عبدالكريم الزيود:
هو حزيران، موسم الشهادة والشهداء الذين صعدوا من فلسطين ذات مساء نحو السماء ، من قال إن للموت موعدا يعرف، سوى العسكر الذين خبروه بين البنادق والرصاص، ولم يتراجعوا ساعة اللقاء ، فطوبى لهم جنات عرضها السموات والأرض.
يا علي الحراسيس ، كنت صباح أمس ، وأنت تقود طائرتك قرب الغيّم ، وتعبر التلال والسهول ، كنت تعرف أن للموت موعدا ، وأن هناك عهدا أقسمته يوم علّقت جناح الطيران على صدرك قرب القلب ، بأن هناك عهدا بين العسكر والتراب ، حتى لو كنت في عنان السماء .
يا علي ، كنت تقود عنان طائرتك ، كفارس يروّض مُهرة جموح ، لم تخذلك الشجاعة ، ولكن الحديد يخذل ، فأبيتَ أن تتركها على رسنها ، وأخذتها رغم عنادها ومساعدك عبدالله القصاص يشدّ من أزرك ، وأنت تعبر جبال السلط نحو عمان ، وسهول البقعة تترآى من بعيد، السهول التي عبرتها قوافل الجيش العربي ذات حزيران نحو نهر الشريعة والقدس.
إن كان الموت قادم فأهلا به ، ومتى كان العسكر يخافون الموت ، ضربت مثالا في الشجاعة ، وأبعدت طائرتك الجريحة عن مساكن أهلك وعن مزارعهم ، وألقمتها التراب ، موقف عزة وشجاعة وشهامة، كنت كالصقر الذي يهوي من السماء ، يفرد جناحيه ويحمي صغاره ، ويتلقى السهام درعا لأهله ، وتلك والله من شيم أهلك الأردنيين الذين ما بخلوا في الفروسية والبطولة يوما.
ستعود اليوم يا علي ، إلى الطفيلة ، وتسلّم على جبل الجوفة وحي الطفايلة ، ستعود محمولا على أكتاف رفاق السلاح ، وكتفك الذي يحمل التاج زاهيا فوق كل النجوم ، هو اليوم كتف يجاور السماء فخرا وتيها ، بأنك بررت بقسم الجندية ، فإما نصر "يسرّ الصديق" وإما شهادة "تغيض العدا".
سلام عليك يا علي ، يا أجمل الفتيان ، سلام لقلب أمك ودمع زوجتك ، سلام لوجوه أطفالك وهم يلوحون لكل طائرة تمر في السماء كل صباح ، سلام على الشهداء مصابيح الدجى وسنابل الخير ، الذين يروون بلادنا كلما شحّ المطر ، ويرسمون فوق الغيم وعلى رؤوس الشجر أن بلادنا بخير ما دام العسكر والشهداء عنوان التضحية والفداء والكبرياء.